لم يكن عام 2005 في الشرق الأوسط جيداً بالنسبة للرئيس بوش· وليس هناك سوى أسباب ضئيلة تدعونا للاعتقاد بأن عام 2006 سيكون أفضل· ولكنه حتى لو لم يكن أفضل، فإنه سيكون على الأقل مختلفاً من نواحٍ عديدة·
ومن ضمن الافتراضات المنصفة التي يمكن أن نطرحها بشأن عام 2006 أن الرئيس بوش نفسه ليست لديه فكرة عما سيحدث في تلك المنطقة خلال هذا العام· وإذا ما اتخذنا العام الماضي دليلاً، فإننا نقول لبوش إنه يجب أن يتوقع حدوث مفاجآت هناك· فلم يكن هناك أحد على الإطلاق يتوقع أن يتم انتخاب محمود أحمدي نجاد، كما أن هناك عدداً قليلاً من الإسرائيليين هو الذي كان بإمكانه أن يتنبأ بحدوث انفصال بين شارون وحزب ''الليكود''، أو صعود ''حماس'' المفاجئ كقوة يحسب لها حساب في الساحة السياسية الفلسطينية· أما في العراق، فإن درجة الطائفية والعنف كانا أكبر بكثير مما كان معظم الناس يتوقعون وقت الانتخابات التي أجريت في يناير الماضي· لذلك أقول إننا يجب أن نتوقع حدوث بعض المفاجآت في المنطقة في هذا العام، كما أستطيع أن أقول أيضاً إنه بوسعنا التنبؤ ببعض خطوط سياسة بوش في المنطقة· بالطبع سيكون الشأن العراقي على رأس أجندته· فبعد أن تحول الرأي العام الأميركي ضد الحرب، فإن الخطاب الجسور عن ضرورة ''البقاء ومواصلة المسير على الدرب'' لن يكون كافيا لإقناع الأميركي العادي بصواب سياساته هناك· وستكون المهمة الأكثر إلحاحاً هي تأليف حكومة عراقية جديدة تشمل جميع الطوائف والقوى الفاعلة على الساحة العراقية تقريبا··· هذا أولاً·
ثانيا: سيتم البدء في سحب القوات الأميركية من العراق وإنْ بأعداد محدودة في البداية، وإنْ كان الأهم من ذلك هو أن مهمة تلك القوات ستتغير· فمع مضي الوقت سنرى عدداً أقل من الهجمات التي يقودها أميركيون، وتركيزاً أكبر على القوات الجوية، وعلى تدريب ودعم القوات العراقية، وإذا ما مضى كل ذلك بشكل جيد وحسبما هو مأمول، فسيصل عدد القوات الأميركية في العراق بنهاية العام إلى 100 ألف جندي وسيقل معدل خسائر تلك القوات مقارنة بالعام المنتهي، وستزداد مقدرة القوات العراقية على القيام بالمهام الأمنية اليومية·
على الصعيد الدبلوماسي ستواصل الإدارة الأميركية الحديث عن التظاهرات باعتبارها من الآثار الناتجة عن الديمقراطية التي يجري العمل عليها الآن في العراق· ولكن معظم الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أنه مهما كانت الديمقراطية التي تتبلور حالياً في العراق، إلا أنها لن ترقى أبدا إلى الديمقراطية التي كانوا يتمنون أو يتوقعون تحققها، وأن تلك الديمقراطية يمكن أن تنحرف فتتحول إلى حرب أهلية بين السُنة والشيعة، وهو الشيء الأساسي الذي يحاول الأميركيون تجنبه في الوقت الراهن· فتحقيق الاستقرار في عراق مرتبط بفيدرالية فضفاضة هو الهدف الجديد للسياسة الأميركية· وفي الوقت نفسه سيستمر الاهتمام في واشنطن بإيران وبرنامجها النووي· في المستقبل القريب لن يكون هناك تغيير متوقع في سياسة واشنطن الحالية تجاه طهران، التي تقوم على التعاون مع أوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الضغط على طهران، والحيلولة بينها وبين المضي قدماً في برنامجها لتخصيب اليورانيوم· في الوقت نفسه هناك نوع من لعبة التخويف تجري في الوقت الراهن، حيث تمضي طهران بحذر نحو توصيل الأمور إلى حافة الهاوية لمعرفة ردود فعل الأميركيين الذين لا يريدون التعامل عسكرياً مع طهران لمعرفتهم بما يمكن أن تسببه لهم من متاعب في العراق· ومن المتوقع أن يبدأ في واشنطن خلال العام القادم نوع من الحوار حول الحكمة من فتح قناة اتصال مباشرة إن لم يكن إجراء محادثات سرية مع إيران· أما السؤال المتعلق بما إذا كان الرئيس بوش سيكون قادراً على إقناع نفسه بالسير في هذا الطريق مع عضو أساسي من أعضاء ما أسماه سابقا بـ''محور الشر''، فيظل سؤالاً من دون إجابة وإنْ كان يجب عدم استبعاده·
وماذا عن سوريا؟ ليس ثمة من شك في أن هناك البعض في واشنطن ممن يودون أن يشهدوا حدوث تغيير للنظام في دمشق، ولكن حتى أكثر مؤيدي هذا الاتجاه يدركون أننا مشغولون تماماً في الوقت الراهن بموضوع العراق وإيران، وبالتالي فإن السياسة المتوقعة تجاه سوريا خلال الفترة القادمة هي مواصلة مقاطعة نظام دمشق ومواصلة الضغط السياسي عليه· وماذا عن الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية؟ لا زلنا نسمع تلميحات بأن الرئيس بوش يريد أن يفعل شيئاً من أجل تحقيق السلام في هذه المنطقة· بيد أن توقعنا الشخصي هو أنه لن يحدث شيء إلا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية، وهناك نوع من عدم اليقين الآن بشأن ما يمكن أن تتمخض عنه تلك الانتخابات، بل ونوع من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت ستتم أم لا (بالنسبة للحالة الفلسطينية خصوصاً)، وبالتالي فإن أي نوع من التخطيط الأميركي بشأن ما سيتم اتخاذه في هذه الساحة سيتم تعليقه في الوقت الراهن· هناك البعض في وزارة الخارجية في واشنطن، ممن يعتقدون أنه ربما تكون هناك نافذة للفرص بحلول منتصف العام القادم، ويريدون